مقالات - فتوي الأزهر النووية - من ينظف البيت بعد الانفجار؟ - باتر محمد علي وردم
سرت في عظامي رعدة شديدة عندما قرأت اعترافات قاتل جار الله عمر الذي قتل ببرود وسخافة قل نظيرهما أحد أنظف وأبرز السياسيين العرب الوطنيين في عصرنا الحالي . حيث قال القاتل بأنه يتمني (لو كان قنبلة نووية تنفجر في كل علماني يريد أن يفصل بين الدين والسياسة)! وقد تحسست عظامي بسرعة ولم أعلم من أين يأتي الخوف من العصر النووي القادم: أهو من مفاعل ديمونا في إسرائيل أو من الرؤوس النووية الأمريكية التي يمكن أن تصل إلينا علي اسراب الموت، أو من هذا المتطرف الذي لخص أقصي إمنياته في أن يكون قنبلة نووية، يا للطموح!
ربطت ما قاله قاتل جار الله عمر بالفتوي (النووية) التي أصدرها مجلس الإفتاء في الأزهر، لا محمد البرادعي قبل أيام وأفاد فيها بأن (امتلاك الاسلحة النووية هو واجب شرعي علي الأمة الإسلامية لإخافة أعدائها)، ومضت الفتوي قائلة: (إن ما نراه هذه الأيام من هوان للأمة أكبر دليل علي تخلفها بسبب عدم تسلحها بأفضل الأسلحة، في وقت ابتكر فيه أعداؤنا وسائل عديدة لتدمير وإبادة المسلمين المستضعفين).
حماس الأزهر الشديد للأسلحة النووية مؤشر آخر علي مصداقية ما يدعو إليه العلمانيون، المهددون بالانقراض من القنابل النووية للمتطرفين الأصوليين، في عدم الربط بين الدين والسياسة، ولحسن الحظ أن الأزهر لا يملك سلطة القرار السياسي في العالم الإسلامي وإلا لدخلنا العصر النووي من (أقدس) أبوابه وأصبح الحصول علي البلوتونيوم وتصنيعه وتركيبه علي رؤوس الصواريخ، واجبا شرعيا مقدسا للأمة.
يعتقد الأزهر أيضا، أن سبب تخلف العالم الإسلامي هو عدم امتلاك الاسلحة، وليس الجهل والقمع والتسلط وغياب الحريات والتطرف والفساد ولهذا فإن امتلاك السلاح النووي سيجعلنا علي قمة هرم الحضارة في العالم وينهي كل مشاكلنا التي صنعناها بأنفسنا في المقام الأول.
لا يتعب الأزهر نفسه، ولا حتي صاحبنا (الرجل القنبلة النووية) في الإجابة عن بعض الأسئلة البسيطة وأهمها: من سينظف بقايا ما بعد الانفجار النووي في العالم العربي، ومن أين ستأتي الحكومات بالأموال لبناء المفاعلات والأسلحة النووية وشعوب العرب تموت من الجوع والفقر والمرض، وكيف سيتم صيانة هذه المفاعلات وحمايتها من العبث والتخريب والسرقة، وهي من الهوايات الأثيرة لدينا؟
إذا كانت الدول العربية سوف تبني مفاعلات نووية في أراضيها، وتديرها كما تدير مؤسساتها السياسية والخدمية والعلمية بتعيين الأصدقاء والأقارب والمحاسيب فيها وسرقتها فإن اليوم الذي تتسرب فيه الإشعاعات القاتلة من مفاعلاتنا للبشر المساكين من عباد الله ستجعل من حادثة تشيرنوبيل نكتة في التاريخ. وإذا كانت الحكومات العربية سوف تأخذ المزيد من الأموال الشحيحة لصالح التسلح النووي علي حساب التنمية وإطعام الفقراء وتأمين العمل والحياة الكريمة، ألا تكفينا الصواريخ والطائرات المكدسة في مخازن الدول العربية والتي تكلفت البلايين من الدولارات بينما لا يجد المواطنون قوت يومهم؟
ولكن أهم ما في الموضوع هو في كيفية استخدام هذه الأسلحة النووية. فأين يريد الأزهر الكريم أن نرمي الصواريح النووية؟ هل يريدنا أن نرميها في تل أبيب مثلا ونقتل مليون فلسطيني علي الأقل إلي جانب اليهود، هذا بدون الإشارة إلي الأجيال من المشوهين والمرضي والمعذبين من الفلسطينيين. طبعا في هذا المثال تغاضينا سلفا عن النقاش الأخلاقي حول قتل اليهود بالسلاح النووي، حتي لا يتهمنا أحد من المتحمسين للسلاح النووي بالمثالية الأخلاقية الكاذبة، مع أن المسؤولية الأخلاقية الإنسانية يجب أن تحرم مثل هذا التفكير وهدر الحياة البشرية بهذه الوحشية.
هل يعتقد الأزهر أن تحرير فلسطين سيأتي عن طريق السلاح النووي؟ هذا تفكير ساذج أن صح فعلا، فالذي يدفع ثمن انفجار أي رأس نووي أو كيمياوي هو الذي يحدث الانفجار في بيته، كما أن الذي يسدد الضربة الأولي سيتلقي ضربات عدة وستستمر التفجيرات النووية في العالم العربي وتطال كل الناطقين بلغة الضاد وكل المتجهين إلي القبلة خمس مرات في اليوم، فهل هناك شئ يستحق دفع هذا الثمن؟
كيف يعتقد الأزهر، والمتحمسون للسلاح النووي في العالم العربي أن الأجيال القادمة سوف تعيش، إذا سنحت لها الفرصة أن تعيش مع هذا الإرث وكيف يمكن أن تنظف الأرض العربية من بقايا التلوث الإشعاعي والنووي حتي في حال حدوث ضربة محدودة أو تلوث غير مقصود؟ إن السلاح النووي ليس إلا رعبا وموتا محققا ومن الحماقة التفكير بحيازته واستخدامه في العالم العربي، بل أن الواجب القومي والديني يقتضي من كل العرب والمسلمين أن يدعوا إلي أن تكون الأرض العربية خالية من كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، سواء في إسرائيل أم في أية دولة عربية تغامر بهذا الخيار الخاطئ.
إن الانتصار المنشود علي إسرائيل لا يمكن أن يأتي عن طريق السلاح النووي، ولا يمكن أن يكون السلاح النووي عامل ردع للدول العربية لأن أحدا لا يمكن أن يتخيل أن تصل الحماقة إلي استخدامه عربيا ولو ضد إسرائيل لأن إسرائيل في النهاية موجودة في قلب العالم العربي جغرافيا وطبيعيا . كما أن محاولة استخدام هذا السلاح ضد دول أخري خارج المنطقة لا يحمل أي منطق طالما لا يشكل دفاعا عن النفس.
مستقبل العالم العربي يجب أن يتعلق بالعلم والتنمية والمعرفة والديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان والحداثة والتنوير، وهي التحديات التي تواجهنا ونحتاج إلي كل الجهود البشرية والمالية لإدراكها، والخروج من الفقر والجهل والتخلف والتطرف والدكتاتورية أهم بكثير من تهديد الآخرين بالسلاح النووي وتكديس المزيد من أدوات القتل والتدمير وتوظيف الموارد المالية في التنمية الإنسانية أهم من تشكيل خطر الإبادة علي الإنسان العربي وخطر التلوث الدائم علي الأرض العربية.
لو كان النظام السياسي العربي الرسمي يملك حكمة جماعية، لاستغل الفرصة القائمة حاليا وطالب بشكل واضح وقوي بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتم التركيز علي الأسلحة النووية الإسرائيلية كمصدر أول للخطر في المنطقة، وعلي برامج التسلح الإيرانية الغامضة التي تشكل المصدر الثاني للخطر وموقف كهذا يشكل موقفا حضاريا لا يمكن مقاومته أو الاعتراض عليه كما أنه يؤمن مستقبل الأجيال القادمة من العرب والمسلمين ولا يعرضهم لمحرقة نووية سواء جاءت من خلال مواجهة ذرية مع إسرائيل أم عدوانية حمقاء بين الدول العربية أو حتي استيلاء أفراد مثل الرجل الذي يحلم بأن يكون قنبلة نووية في اليمن فذلك حماقة كبري لن تجر إلا الويل والمصائب علي المسلمين، وهي الحماقة التي أثبت بن لادن وتنظيم القاعدة أنهم قادرون علي ارتكابها بدون أي تردد أو تأنيب ضمير، كما اثبت الأمريكيون في هيروشيما قبل أكثر من خمسين عاما أن قرار استخدام القنبلة النووية في سبيل الانتقام قرار فعلي قابل للتكرار في مناطق بعيدة عن الأراضي الأمريكية.