تلوب الطيورُ!
الجبالُ، الجبالُ
الجبال تورّقني
وتلف بأغصانها جرح روحي،
الجبال صبايا،
تجزّ ضفائرها الطائراتُ
فأجمع عنها شظايا القنابل،
أمسح وجنتها،
*
فتسيل الغيوم على مهلها...
فوق ورد الصباح
والجبال حيارى
الجبال التي شردتني
الجبال التي هجرتني
وأهجرها،
وأحنّ إليها،
فتبكي جروحي
وأنسى الذي كان ما بيننا من ملامْ..
والجبال تلوبُ:
العراقُ،
العراقُ،
العراقُ متاحف نخلٍ،
مرايا،
وعاجْ
وأروقةٌ من لجين،
وأزمنةٌ من دمٍ،
وأكفٌ تدقّ رتاج العصورِ
فتنهض إنساً وجان
وتعدو الفيالقُ
تعدو البيارقُ
تعدو الخيول
والعراق الرؤى،
والأمانُ،
العراق الأماني
العراق حديقةُ روحي
تضم إليها غيوماً، وبرقاً،
وأزمنةً من لظىً
وجداول شهدٍ تشقّ الترابْ
والعراق عباءةُ أمي،
وثوب العذارى،
اللواتي يمتن على السفح،
من ظمأ واغتراب
-يا قمر الجبالْ
عرّج على السفوح
فوجهك الأبهى
يطلع في الجروح
يا قمر المنفى
عرّج على الحقول
فوجهك الأبهى
يولد في البذور..
فيا شجراً لا يهادنُ،
يا شجراً يستفز الرياح
لماذا فتحت النوافذ،
والشمس داكنةٌ
والعيون قميئة
لماذا توضأت بالدم،
بالأمنيات،
ودهرك أعجز من باقلٍ
والعدوُّ يهدهد صبيانه
والرياح تسير بما يشتهي القتلة..
أنت علمتني أن أموت
كما ينبغي
وألّبي الحياةَ
إذا انبلجت قنبلة
فلماذا ذهبت وخليتني
ولماذا عبرت إلى جهةٍ أنا أجهلها
في الطريق إلى مكة عيرتني القوافلُ
أن سأموت بلا كفنٍ،
أو سدور..
وفي المغرب العربيّ وجدتُ ثيابي
معلقةً فوق صاريةٍ،
وثيابي على جبل الشيخ في الشامِ
منشورةٌ
فوق حبل يخطّ حدود هويّة أهليَ
بين البنفسج والنارِ،
بين المُدى والقتيلْ..
هناك وجدتك تبتاع خبزاً لورد الطرق،
وتنحت صخراً لأحلامه
نسيَ النيل ما كان،
آفته هذا الزمان التذكرُ
آفة الموت فوق حجارة أمسٍ تلبّدَ
تلك الجبالُ،
الجبالُ،
الجبال طيورٌ تكابدْ..
منافٍ
حصونٌ،
حقول من الزعتر المرّ،
نعناعها كرمُ الأرضِ،
شحّتها،
قمر الأرض،
لوعُتها
والجبالُ الجحيمُ،
الجبالُ النعيمُ،
الجبال سياطٌ تغالبْ..
تهادنني،
لا أُهادن
والجبالُ المنارات:
خضراء،
حمراءُ،
سود..
والجبال:
القبابُ،
الوعولُ،
المرايا..
مراكبُ تسرحُ في الغيمِ،
تبحث عن لوعةٍ،
ولظىً يسعان هواها..
تؤرجحني..
أتهاوى إلى القاع،
أصعد عبر الجذوع،
أرى ذمماً تُشترى
وشعوباً تباع..
وأُبصر تاريخ حبي على السنديانِ
ممالك أهلي وتيجانهم
ونضار خطاهم و أزمانهم
فتلوب الكهوفُ
وتشعلُ أنياب فيلٍ تمرّدَ..
أبرهةٌ لا ينامُ،
يفتش عن باب مكةَ بين السفوحْ
والجبالُ ملاعبُ أهلي..
أحسّ دبيب سواهم على قمةٍ،
هي وردةُ روحي
على ربوة هي جرحُ الضفافِ
التي طهرتني،
على نَبْع ماءْ..
تغوص حَمامة قلبي بأغوارهِ
فأفوح شذىً..
أتأرجحُ ما بين ليلٍ وفجرٍ،
وعطرٍ ووجدٍ،
وما بين نارٍ،