لاأزال أتمسك بالقصيدة
الموزونة المقفاة، لأنها -كما أرى- تحمل عبق تاريخنا، وأنفاس القامات الشامخة من
شعرائنا، وهي الأقرب إلى قلوب جماهيرنا، والأكثر قدرة على استنهاض أحاسيسهم
واستنبات الربيع في وجدانهم.
إن شعر الأصالة العمودية يشكل
تحدياً لشعراء هذا العصر. إنه من أصعب النماذج الشعرية لمن يريد أن يكون من
المجيدين؛ وهو لا يتعارض مع الحداثة، بل يستنجد اشتياقاً لها بالموهوبين من
الشعراء كي ينقذوه من هرير النظامين وهدير المتشاعرين.
أقول هذا وأنا لاأزال أذكر ما
قاله لي أحد الأصدقاء حينما وجه لي هذا السؤال: لماذا تصر على تقديم موهبتك
الشعرية بالأثواب التقليدية القديمة؟ ولماذا تلبس صورك الشعرية الجميلة نغمة
موسيقية رتيبة وكأنها تنبعث من حناجر الموتى؟ لماذا لا تخوض بحر التجديد بكل ما يمثله
من حيوية الجناح الطليق، وبكل ما يسكنه من توثب موسيقي داخلي عميق؟؟ وأذكر أن هذا
السؤال قادنا إلى حوار طويل حول مدارس الشعر، وكانت خلاصة رأيي ولاتزال كمايلي:
لابد من تجاوز التصنيف
الخارجي للشعر، بغية التعرف على عمقه الجوهري، وعندئذ سندرك أنه ينطلق من منبع
واحد، ويتغذى من فصيلة دموية واحدة. فالشعر هو الشعر مهما تعددت فيه الأشكال
والألوان والألحان.
وإذا كنت لاأزال أقف على
الشاطيء الأول من نهر الشعر العربي، فلا أنكر ميزات الشاطيء الآخر ولا أتنكر لها.
إنني من المؤمنين بأن حديقة الشعر تتسع لجميع الأزهار؛ والحياة وحدها هي التي تحمل
في هذه الحديقة، مقص التقليم.
ولذلك أتمنى على قاريء هذا
الديوان أن لا يحكم عليه من خلال قبعة القافية الواحدة. بل مما يتراءى في نبضات
قلبه من رؤى وإبداع، وعمق واتساع، وتألق وإشعاع.
وختاماً، الشعر -كما يقال- هو
شمس الروح، وآمل أن يشعر القاريء الكريم بتوهج الشمس المشرقة من روح الشاعر في
قصائد هذا الديوان. وشكراً.