النيل والفرات:
"الشعر الفرنسي والشعر العربي" عنوان يرسم انسياباً لطيفاً يذكي نشوة الحسّ، والعقل والفن. وذلك لما لكلمات الشعر العربي الفرنسي جميل التأثير في النفس، مما يخلب بحسيس نسائم تهب من رياحين الشعر الفرنسي، وتتلاقى مترنحة بالعبير حاملاً نسائم من الشعر العربي لبيان الأشباه والنظائر، كما يقول الجاحظ، بين المبدعين من شعراء الأمتين بما يقرر أن الارض والجوار، وإنسانية الإنسان تتقابل كلها على اختلاف المناخات والأقاليم والتجارب في أرض البشر، وحسب اختلاف الأزمنة التي هي الناس. إن ينبوع التلاقي واحد، يجيء من ناحية الأرض موطن الإنسان وما تزوده به ابنها رأس الهرم الإنسان بالنسبة إلى سائر المخلوقات التي تتشابه في التركيب والجوّانية تشابه بقاع الأرض ولا يتم اختلاف بصدد ذلك إلا من ناحية العموم والخصوص الوجهي حسب تقرير إيساغوجي المنطق وما ترسمه خطوط علم الحياة، بين فرنسا والعرب مراحل من التاريخ حربية وثقافية واقتصادية وإنسانية تشكل الشراكة الحضارية، وتذكر بالجوار الأندلسي وارتباط أسماء مدن شهيرة كبوردو وبواتيه "باسم العرب" وحكام خطيرين كشارلمان والغافقي، وتمتمات أدبية تنسمها الفرنسيون من جهة الموشحات وفروع الأدب وما يتصل بذلك من أغاني الجونكلر والتربادور، وما التمع في تاريخ الأدب الفرنسي على نسق من الأدب العربي في النمط المسمى: Chansons de Roland وما جرى ذلك المجرى.
ربما عنّ لنا أن نتذكر حملة هنيبال ومروره بجبال الألبا، وحملة عبد الرحمن الغافقي وتلاقيه مع شارل مارتل في معركة بلاط الشهداء، والحروب بين الأمم وسائل لارتسام تيارات مدنية وحضارية، وبواعث داخلية تتحول على مدى الزمن إلى علامات تشبه اللقاح.
من هنا، جاءت فكرة هذا الكتاب الذي هو إنما محاولة من المؤلف لالتقاط من تراث الأمتين أجمل ما لديهما، وتناغمه في الفن والإنسانية في مجال الشعر لديهما، لأن الشعر وكما يقول إشبلنجر هو قمة أنواع الفنون وهو يختصر في ذاته خصائص الفنون كلها ويتغرد بالكلمة التي تصاغ من حروف ترمز إلى أبعد من مدى الأبجديات ولعلها أشعة من انسياب الأفلاك وأبعادها في آفاق أرض البشر.
وبالعودة إلى الكتاب فإن المؤلف جرى في محاولته هذه حسب الزمن الحضاري، متوقفاً عند مدارس في الفن الشعري لم يدرس آفاقها الشعر العربي لاختلاف الزمانين، أي السوريالية والدادية، وسواهما مما لم يكن له مناخ آنذاك وكان العرب بعيدين عن عصر العولمة، والسيطرة على العالم، وبلوغ القمر، وعمق البحار وسوى ذلك من أعاجيب اكتشاف سرّ المادة، وجمع أبعاد الأرض لأبعاد السماء، علماً بأن أدب العرب شعراً ونثراً لم تغب عنه الكلاسيكية، والرومنطيقية والرمزية.